الشاعر الإنسان بن عبود …. بقلم / عبدالله محمد باشراحيل

السبت 27 ربيع الأول 1431هـ  العدد 15611

الشاعر الإنسان بن عبود …. بقلم / عبدالله محمد باشراحيل

تلقيت بالامتنان المجموعة الشعرية للشاعر الدكتور الشيخ محمد بن عبود العمودي وهي تمثل أربعة دواوين شعرية هي: سكن الليل، مُنتهى الحب، نفحات الورود، ربيع العمر، جميعها صدرت في حُلَّة قشيبة، وطباعة أنيقة تحمل أنفاس شاعر عرف قيمة الشعر فأخلص له وأعطاه من وقته وفكره

العناية والاهتمام حتى أورق ثمراً مختلفاً الوانه يُبهج العين والفؤاد .

     ولم يكن الدكتور محمد عبود العمودي غريباً عليَّ شعره فكنت أقرؤه بين الفينة والأخرى،وكانت آخر قراءاتي له تلك القصيدة الجميلة التي نشرها بجريدة الشرق الأوسط بمناسبة عودة الأمير سلطان حفظه الله،كما سمعته في الكثير من قصائده المغنَّاة من بعض الفنانين إبتداءً : من أمال

ماهر،وكاظم الساهر،ومحمد عبده  وأبو بكر سالم بالفقيه،وفاطمة زيدان،وجيهان مراد وغيرهم،ولحَّن له كبار الملحنين في عالمنا العربي مثل حلمي بكر،وعمار الشريعي،وصلاح عرام،

 وقد رايته يقدم شعره وفنه الأدبي على استحياء شأنه شأن الشعراء الكبار الذين يحترمون أنفسهم في عالم يحترق بالفنون الهابطة التي أصمت آذاننا بما نسمعه اليوم من كلام سوقي ساقط،ورتم موسيقي هابط مملول .

وحين طالعت دواويين الدكتور محمد عبود العمودي في شعره العربي الفصيح وجدته شاعراً محافظاً في شعره على القيم الموروثة،آخذاً بسنة شعراء العربية الذين تركوا لنا تراثاً شعرياً خالداً لا زالت الألسنة تلهج به،لذلك كان التأثير الخلاَّق واضحاً جلياً على شخصية الشاعر بن عبود،فقد قرأته

إنساناً متعدد المواهب والإضاءات التي نوَّرت حلكة الظلام الإنساني من جوانب مختلفة،فهو رجل قد آتاه الله مالاً فلم يبخل به على أصحاب الحاجات والفقراء والمساكين،من خلال صنائع الخير والمعروف التي كان يبثها التلفزيون عن أعماله الخيرية في مواسم الحج في كلِّ عام عن طريق

مؤسساته الخيرية التي توزع الوجبات على حجاج بيت الله،ومن خلال عضويته لجمعية الأيتام التي انتسبُ إليها أيضاً بالعضوية وفي عضويته لجمعية السقاية والرفادة وفي عضويته للجنة اصلاح ذات البين، وفي بره بأهله ومحبيَّه وقاصديه يداً ممدودة بالخير في كلِّ   عمل إنساني .

وقراته في الجانب العملي فرأيته مجاهداً في دروب الحياة،بدأ عصامياً عاملاً بجد وإخلاص لتحقيق الذات منذ حداثة عمره،ولم يضق ذرعاً بالعمل البسيط الذي مارسه حتى أصبح اليوم مدعاة فخره وبه حقق هذه النجاحات التي رفعته إلى تقدير الملوك والرؤساء والعلماء،والأدباء ونيله شهادة

الدكتوراه من عدد من الجامعات الأمريكية والبريطانية،وإشادة ملكة بريطانيا بجهوده وأعماله الإنسانية والاقتصادية التي لا يُستهان بها على مستوى العالم .

                                                                                                                                                        

وها أنا ذا أقرؤه شاعراً لشعره سبحات في بحار الحب والغزل والوطنية، والرثاء فهو ، إسلامي النزعة والفطرة،فمن ديوانه (نفحات الورود) . قصيدة (أرضي بلاد التُّقى) يقول فيها :

                                                                

أرضـــي مـــــلاذ التُّــــقـــى بــالـــجــد والـقــيـم                 نـــجـــدٌ حــجـــازٌ بــــــلاد الــجـود والــكــرمِ

شـــــرق جــنـــوب إلـــه الــــكــون حــافــظــها                 بــــالــحـــق دعـــــوة إبـــراهيم مـــــن قـــدم

آثـــار جــــبــــريــــل أنــــوارٌ بــــتــربــــتـــهــا                 وعـطر خـيـر الـورىَ كـالمســـــــك في الأكـم

والطــيـــب في طـــيـــبــة المــخــتــار نـنــشـقـه               عــطـراً تـــعـالـى عــلـى عــطـر شـــذاه هـمي

يـــــا مــهـــبــط الـــوحي والـقـرآن مـــنهـجــنـا                يــــا مـــوطـن الـــعــزِّ بـيـن الــحــلٍّ والــحرم

 

ومن خلال هذه الأبيات تلمس قوة العمق الديني والحس الوطني الصادق .

وفي قـصـيـدتـه (صروح المجد) يقول :

 

يا دولة حــــــــــازت الإعــجــــــاب في الــــدُّولِ                أمــــنٌ ســــلامٌ وإقــــــــــدامٌ بـــلا وجــــــلِ

قد قـــــدّس الله في الأكــــــــــوان تُربـــــــــتــها                بالــحــــقِّ والـــشَّــــرع والإيـمــان والمُثـل

جـبــريـــــل والــنـــــور والآيــــات مُــنـــــــزلـةٌ                تــشــــفــي قــــلـوبـــاً مــن الآثام والــزلــل

بالعــــــــز تـبني صـــــــروح الــمجد يحكــــمها                فـــــهدٌ سليل التُّقـــى يســـــــــعـى بـلا كـلـل

إلى أن يقول :

بوركــت فهدٌ وعبــــــدالله ســــــــــــاعدكـــــــــم               سيــــروا إلى الـمجــــد في عــــــزمٍ بلا ملل

سلـــطان يحمي ريـــاض العـــــــــز في شـــمـم               والكـــــــلُّ جنــد الوغى في الحــــادث الجلل

أبـــنـــاء عــبـــدالــعزيز الـــفـــذ قـــــــــــــادتـنا                نحــــــن الجـــنود وأنـــتــــم مشــعـل السبل

 

وهو في هذه الأبيات يرتفع ويفخر بهذه القيادة الحكيمة التي جعلت المملكة في مصاف الدول المتقدمة علمياً وحضارياً. ثم نقتطف في هذا الديوان بعض زنابق الغزل الذي يُجيد فيه شاعرنا،ويذكرنا بغزليَّات مجنون ليلى وكثيِّر عزه،وعمر بن أبي ربيعة الذين نتغنى بشعرهم في عشقهم ووفائهم

للمحبوب،فكانوا منهلاً عذباً يروي غلًّة الصادين للعشق والهيام والوله

فهو يقول في قصيدة (يا هائما ً)

 

يـــا هـائماً في الهـــــــوى يشـكـــــو مــواجعـه                   القلـــب سكــــناك والأعــطـاف مـــــرعـاكا

هـذي يـــدي في الــهـــوى مُـــدَّت بـــلا حــــذرٍ                   فـا مدد يــداً في ريـاض الحـبِّ ألــــــقـاكـــا

الخـــــوف داءٌ يـــمُيــــــــت الـــقـلـب يــــقتـلـه                   قــل لـي مـتـى تــعرف الإقــدام دنـــيــــاكــا

قــــل لـي مـتـى تـــتـكــسر الأسـوار تعشـــقني                   عـشـــقــاً يُـثــيــر فـــتـُحيـــنِــي ذراعـــكــا

كــن لــي غــطــاء بـــليـل العشــــق يُـدفئـنـــي                   أكـــون هـمسك لـلـنـجوى وسـلـــواكــــــــا

كــن لي حـبـيـــــبـاً وصـــن ودي بــــلا وجــــل                  أعــطيك روحي ونـــبـض القلــب مــرعاكـا

 

في هذه الأبيات تلمس براعة الشاعر في ترجمة الإنفعال والتأثير الذي يصور الحالة الشعورية التي تتمكن من القلب الواله ليأتي شعره صادقاً مطبوعاً لا اثر للصَّنعة والتَّكلف فيه وتجد أن هناك تضميناً للحكمة وخصوصاً في البيت الثالث من هذه الأبيات .

وفي قصيدة (إبحار) يقول :


أبـحــرت في بـحــر عــمــيـق القــاع جبــارٌ يـهــــول            أحـــتـاج حـــبـاً خـــالــداً يـــبـقى بقلـــبـي لايـــزول

وأُريـد شـمساً لا تـخاف اللـيل لا تخشـــــى الأفــــــول            أحـــتـاج بـــدراً نــوره الــفـضِّي يـلـهــو بـالـعـقــول

فـالحـب لا يـقــوى علـى الإبـحـار في بـحر ٍجهـــــول            والشمـس لا تقوى على الإشراق في كل الفصــــول

يـا وجـــه بـــدرٍ حـــائــرٍ يــلــهــو به أهل الـفـضـول            حُبـــيِّ أنـا كالسيــف لا تُّرضيه أنصــــاف الحلــــول

 

وفي هذه الأبيات تجد الروح الفلسفيّة في توظيف لغة النجوى بينه وبين الحبيب حتى أنه يطلب حباً مثالياً،ليُعبِّر عن امتزاج الروحين في روح وجسد واحد لتحقيق الامتزاج الروحي بينه وبين المحبوب وتحسَّ طغيان النزعة الرومنسية كما هي في معظم قصائده.

                                                                                                                                    

 ومن ديوانه (ربيع العمر) يقول في قصيدته (لا تخنِّى) :

 

أنا لـن أخـون هـواك مهمــا زدت في هجر وضــــنِ               فــأنــا الـذي حـفظ المروءة والعـهود عن التّــدنَّي

فـــإذا نـــويــت الـغــدر بي يوماً يـــردّ الله عـــنـــي               لـــعـبت بـنـا الـدنيا ونـالـت منـك في لـيـلٍ ومــنـي

ما خـنــت عـهداً فاســأل الأزمـان والأكوان إنِّــــــي               أمــشي عـلى درب الرضى درب الوفيِّ المـطمئـن

ما بيـنـنا كان الهــوى والحـــبُّ في لــيل التّمــــــني               والنجم في كـبد السمــاء يضـــيءُ تهيــامي وفني

والـلـيـل فـيــه الــســرُّ الــــوانٌ وأنــفـاس تـغـنــــي               مـا بـيــنـنـا عـهـدٌ يُــوثٍّـــقُ لـلـمحـبــة لا التّـجـنـي

إن غيرت دنيــاك أنمــاط الورى مـا خـــاب ظـنــــي               فـارجـع إلــيَّ إذن وعـــاهـدني بـأنــك لا تـخُـــنـِّــي

 

قصيدة غزلية جميلة الأداء والبناء تؤكد على خبرة الشاعر وقدرته على استعمال القوافي المغناة لتؤسِّس تناغماً بين اللغة الشاعرة وعمق الإحساس الذي يترك صداه في النفس ليعبر عن الصدق الفني. وهو في هذه القصيدة وما سبقها عمد إلى التدوير وهذا فيه صعوبة إلاَّ على الشاعر المتمكن

مثل شاعرنا .

 

ومن ديوانه (سكن الليل) نُعرج على قصيدته (غَطّى فلسطين الدَّم)

 

غـطــــى فـلـــــسطـيـن الــــــــــدّمُ                     وبــــهــا المــــســــــاجـــد تُــهـــدمُ

إنَّ الــــــمـــــروءة جُــــــــــــردَّت                     إن الـــــــبـــــــراءة تُـــــــــعـــــــدم

غـــــدت الــــنــــــساء قــــــنــابـلا                     نـــــحـــو الــــوغـــــى تــــتـــقـــدّم

الـطــفـــل يــــرضــــــع حـــســرة                     وعــــــلـــى الشـــهـــادة يـُـفــــــطم

شــعــــبٌ يـُــبــــــادُ مُحــــاصــــراً                     بـــالــــقـــــاذفـــــات يُـــــــــحـــطَّـم

تـــطـــــأُ الـــــفّـــــتــى دبــــابــــةٌ                    وســــــــــــلاح أُمـــتـــــــــنــــا فــــم

 

يصوِّر في هذه الأبيات المأساة الفلسطينية تصويراً دقيقاً في تجسيد الألم والظلم والطغيان الإسرائيلي استشعاراً بعمق المصائب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني فأنظر إليه في البيت الثالث وهو يصف النساء بأنهن أصبحن قنابل فلم يعد يُخيفهن الموت والتدمير الإسرائيلي،والبيت الرابع فيه

صورة جميلة ومبدعة حين يرضع الطفل لبن الحسرة،ويكون فطامه

على الشهادة .

ومن نفس الديوان قصيدة بعنوان (أمَّة الإيمان ) منها:

 

أمـــــــــة الإيـــــــــــمــــان والأدب                    تـــــصـــنع الأمـجــــاد في الحــقـبِ

ربُّـــهــــا الـــرحمــن قــد خـلـقــت                     ديــنـــــها الإســـــلام بــالـنـســـــب

وكـــتــــاب الله حـــافـــظـــــــــــها                     بــــثـبـات الــحــــق لا الــــــــرِّيــب

مـــكــــة الإســــــلام قـــبــلــــــتـنا                     قـــمَّـــةٌ تــــعـلــو عـلــى الــرُّتَـــب

 

وفي هذه الأبيات نقرأ اعتزازه بالأُمة الإسلامية وفخره بمكه قبلة الإسلام ليؤكد صدق الانتماء . وفي قصيدة بعنوان (علام الهجر ) يقول

 

عشــــق القـــــلـب فـهـــامـــــــــا                       واقتــفى عــــطر النّــــــدامــــــى

ينـشـــق الـعـــــطـر فـــيدنـــــــــو                       حــــيثما الحــــــبُّ أقــــــامـــــــا

هـالـــــه الـنُّـــــــور فـــــــأرخــى                       جــــفـن عـــينــيه احتشــــامـــــا

نــــــور شـمــــــسٍ أم ســـــــــنا                        بـــــــــدر عـــلا ثــم اسـتــقامـــا

أم شـعــــــــاع الفجــــر يجــــــلـو                      عـن لـــــيــالـيـــنــا الركـــــامــــا

 

وفي هذه الأبيات ترى غزل الشاعر العفيف الذي لا يدعو إلى التفسُّخ أو الابـتـذال أو التَّهتك ومن ديوانه (مُنتهى الحب ) قصيدة بعنوان الديوان  

 

منتهى الحبُّ فطولي ياليــــــالــي                        فأنـــا أحيـــا عـلـى رجع الــخيـال

حالم تطفو حـــروفي كالـــــنـــدى                       فوق أوراق الخــزامى والــدوالـي

مرَّة ضيَّعـــت من أهوى ســــــدى                       يـا لعـمـري بـين هـــمٍّ وارتــحـال

 

 وهنا كأنَّ الشاعر يُلمِّح إلى إسم المحبوبه وهي (منتهى) برمزيّة ذكيَّة وتورية مُلفتة. وفي قصيدة         بعنوان ( نور الحياة ) يقول عن فقده لأمه رحمها الله وأموات المسلمين :

 

أقْـــفَــــــرْتِ يـــــــــا دُنــــــــيــا إذاً                      وبــــدا لــــي الـعــــيـش مِــــــحـن

مـن أجـــــل مــــن فـــــــارقـتـهــــا                      أُخــــفـي الأنـــــيـن وبــــي شجـن

نـــور الـــــحــيــاة وشـمـــــــعـتـي                      لمـــا غــــفـت واللـيـــــل جــــــــن

لله عــــــــــادت روحــــــــــهـــــــا                       قــد ضــــاق بـالـــــروح الـبــــدن

وقــــد اطــــمـأنـــــــت فـــارتقـــت                       مـــــن لاذ بـــالله اَطـــــمــــــــــأن

مـا كــــــــــّل أُمٍّ مــثــــــــلـــــــهـــا                       حـــتــى أُعـــــــزَّى بـــــــــعــد أن

وآريــتُ طُـهــــــــراً في الــثـــرى                       ولَفَــــــفْتُ نــــــــوراً في الـكـــفـن

 

في رثائه لأُمه تظهر علامات الوجد والألم والحزن جليَّه في بُكائية خافتة لقلب أدماه الفقد لأحب إنسان وأعزه على الأرض ومن غير الأم وهي الحضن الدافيء والقلب الحنون ؟ التي تتوفَّر على المثالية العليا في التضحية والحب .


لقد كانت هذه الأبيات بعض تراجيع الإحساس الشعري الذي انطلق من انفعالات العقل الملهم للشاعر الدكتور محمد عبود العمودي،رسمه على بساط الكلمات ليعبر به إلى مسافات العقول والبصائر شعراً عربياً يطوف بنا في رحاب الوطنية والغزل والرثاء والمديح,نُقدِّمه بروح تحمل رؤية الإعجاب

لا رؤية النقد والناقد فما إلى هذا عنيت،ولست ممن يملكون أدوات النقد الأدبي فهذا له أربابه،ولكني أُبدي دائماً وابداً تقديري للشعر الفصيح وأتذوقه،وأقدمه للقارئ الكريم ليعيش بإحساسه هذه الانفعالات الشعرية،ونكون بذلك قد أدّينا واجباً للشعر والشاعر الذي سكب هذه المزون الشعرية من

فكره والهامه لتكون إضافة إلى ديوان الشعر العربي الخالد،وهي تحية لشاعرٍ نكن له التقدير بما أمتعنا به من جميل الشعر وكريم الإهداء،وإلى موعد مع زنابق شعرية أخرى ننتظر فيها ما تحمله إلينا قريحة شاعرنا الواعدة بالشعر العربي الفصيح ليكون إضافة إلى ديوان العرب .